طريق إسفلتي متآكل يمتد على مرأى البصر،على جانبي الطريق مساحات من العشب الأخضر،تتمايل بخفة مع نسمات الليل الباردة،و سلسلة من أعمدة الإضاءة المعطلة تمتد على طول الطريق.
الشمس بدأت بالغروب،و بدأ معها الظلام بابتلاع السماء الدموية.
و في مكان قريب داخل المساحة العشبية وُجدت بيوت منخفضة بأسطح مائلة.
نوافذها إما مكسورة أو محجوبة بطبقاتٍ من الغبار، والأبواب الخشبية متآكلة عند الحواف، تنبعث منها رائحة رطوبةٍ قديمة تلتصق بالهواء.
كل بيت يفصل بينه و بين الآخر رصيف متآكل مليء بالتشققات.
بعض الأسطح ما زالت تحتفظ ببلاطها المائل، بينما تساقطت أجزاء أخرى، كاشفةً عن عظام الخشب الرمادي الذي نخره الزمن.
على الأرض، تتناثر شظايا الزجاج والقرميد، وقد غمرها العشب من جديد، وكأن الطبيعة بدأت في ابتلاع ما تبقّى من أثر البشر.
بالطريق الإسمنتي،ظهرت خطواتٌ بطيئة تقترب من المكان.
إيثان يسير بخطوات ثقيلة بالقرب من الأعمدة الإضاءة.
ليتوقف بعدها فور ملاحظته للبيوت،يتمعن في المكان لعدة لحظات،ليخرج من حقيبته خريطة الكاتوران.
اتكأ على الأرض دون إصدار أي صوت،ثم ابتدأ بفتح اللفافة كاشفًا عن محتوياتها،مستعملًا قدمه فوق حواف الخريطة لمنعها من التلولب لحالتها الأصلية.
ما تبقى من ضوء الغروب ساعده على رؤية الخريطة بوضوح،حرك أصبعه بهدوء على الخريطة واضعًا إياه فوق رمز الكاتوران المشطوب،ليبدأ بتحريكه للأمام ببطء،مارًا عبر رسم لما يشبه أرضًا ميتة عليها القليل من الرسومات الشبيهة بالخردة،و الرسمة محاطة في الزوايا باللون الأخضر تمتد حتى أراضي الكاتوران و تتوقف في مسافة غير بعيدة عن الرسم الخاص بالمدينة و الذي كان محاطًا باللون الأصفر.
أكمل تحريك أصبعه للأمام، حيث صادف رسوماتٍ لرصيفٍ أسفلتي يظهر لفترة ثم يختفي،و كأن الطريق كان مخربًا في ذلك الموضع، حتى وصل إلى نقطةٍ بدأ منها الطريق السريع مرسومًا بشكلٍ عادي وواضح،و رسومات خضراء ترمز للأعشاب بدأت بالزيادة أكثر فأكثر لتصبح الأجواء بالخريطة مثل المحيطة به.
إلا أن توقف أصبعه في إحدى بقع الطريق،رسم مبسط لنفس المكان المتواجد فيه،محاط بخطوطٍ حمراء تمتد في مساحة شاسعة،تنطلق من موضعه و تتشعب في اتجاهاتٍ عدّة حتى تصل إلى المجاورة لتكمل طريقها عائدةً إلى نفس النقطة.
سحب أصبعه من الخريطة بهدوء،ثم رفع عينيه ناحية المنازل بقلق،نهض من على الأرض ثم أعاد الخريطة للحقيبة.
وضع يده خلف ظهره،ساحبًا البندقية ليدافع عن نفسه.
لكن تصميمه الطويل لم يكن مناسبًا ليتم حمله بذراع واحدة.
من ما جعل من المستحيل بالنسبة لإيثان أن يصوب به أو يستعمله بشكل جيد.
حاول مرارًا و تكرارًا إيجاد طريقة جيدة لإمساكه لكنه لم يستطع.
عيناه اضيقتا،و فكه اشتد من شدة الانزعاج،ليرجع البندقية لمكانها باستسلام،و خطى خطواته الأولى ناحية الحي السكني.
كل خطوة كانت محسوبة و حذرة،و عيناه تتفحصان المكان بتركيز استعدادًا لأي هجوم محتمل.
تمشى نحو أقرب منزل له،نافذته محاطة بإطارات متآكلة،لكنها خالية من أي زجاج.
أمسكت أصابعه بالإطارات ليقفز بعدها داخل النافذة مقتحمًا المنزل المهجور.
المكان من الداخل كان عبارة عن فوضى خالصة،الغبار في كل ركن من البيت،جدران متشققة،و أثاث مكسور.
بقي واقفًا في مكانه لعدة ثوان قبل أن يبدأ بالتقدم أكثر داخل المكان.
رائحة الخشب القديم طغت على الأجواء،و أصوات الأعشاب كانت الأصوات الوحيدة المسموعة في المكان.
اقترب إيثان من ما يشبه منضدة المطبخ،كانت مليئة بالغبار و علب فارغة من قارورات المياه و طعام معلب.
انحنى للأسفل ليرى 3 أدراج خشبية سليمة،و درجين مفقودين.
فتحهم واحدًا تلو الآخر،على أمل أن يجد أي شيء مفيد.
الدرج الأول:فارغ
الدرج الثاني:فارغ
و في الدرج الثالث،وجد مطرقة معدنية،تتكون من مقبض خشبي قديم عليه بقع سوداء متآكلة،و رأس معدني ثقيل عليه بعض آثار الصدأ.
حمل إيثان المطرقة أمام مرأى نظره بتمعن،حركها يمينًا و شمالًا،ضرب بطنه بخفة ليقيس تأثيرها بدقة.
بالأخير حملها أمام عينيه،مقيمًا فائدتها بهدوء.
ليرخي يده بعدها بينما يمسك بالمطرقة و يكمل استكشافه للمكان.
مر من جانب طاولة خشبية متهالكة،فوقها علبة سجائر فارغة،ثم توقف عند السلالم الذي يقود للطابق الذي أعلاه.
حدق في الدرج المتهالك لعدة لحظات بملامح من الجدية و الحذر.
أحكم قبضته على المطرقة،و رفعها لأعلى متخذًا وضعية للهجوم.
ليبدأ بصعود الدرج،و كل خطوة تصدر أنينًا حادًا تحت وقع قدميه حذائه،كاسرًا الصمت الذي من حوله.
فور وصوله للطابق العلوي قابل ممرًا طويلًا في نهايته نافذة تطل على الخارج،و على الأرض حصيرة قديمة مليئة بالغبار،و على كلا الجدارين كان هناك باب خشبي قديم محكم الإغلاق،الفرق الوحيد هي لوحة معلقة على الجدار الأيسر.
أكمل طريقه بالمكان،و حذره في أعلى مستوياته.
ألقى نظرة على اللوحة،ليجدها عبارة عن رسمة مناظر طبيعية خضراء مليئة بالخدوش و الأوساخ.
اقترب من الباب الأيمن أولًا،و فور فتحه أصدر أنينًا مفاجئًا جعل إيثان يتجمد في مكانه
عيناه اتسعتا في صدمة،و فكه اشتد من القلق،ضربات قلبه تزايدت،حتى شعر بها تدق في أذنيه كالطبول.
لف وجهه بسرعة ناحية الدرج،بعينين قلقتين،يده مشدودة على سلاحه،و كأنه ينتظر خروج شيء ما.
مرت الثواني و الدقائق و لم يحدث شيء مما أراح إيثان لوهلة.
أنفاسه خفّت قليلاً، لكنّ يده بقيت مُطبقة على المطرقة حتى ابيضّت مفاصل أصابعه.
ألقى نظرة خاطفة إلى الخلف، نحو الدرج... ثم عاد إلى الباب المفتوح.
غرفة مربعة صغيرة المساحة،فيها أريكة في الجهة المقابلة للباب،و بالجهة المقابلة تلفاز مربع بشاشة مكسورة.
إيثان،أغلق الباب بهدوء محاولًا عدم إصدار أي ضوضاء.
وضع حقيبته على الأرض،ثم اقترب ناحية الأريكة،بخطى بطيئة.
حرك أصبعه على سطحها،قبل أن يرفعه و يبدأ بتحسس الغبار على أصابعه.
نظف الأريكة من الغبار مستعملًا ذراعه،الغبار انبعث في سحابة خفيفة، ثم استقرّ على الأرض كثلجٍ رمادي.
أمسك الوشاح الأحمر الذي كان معه واضعًا إياه فوق الأريكة،قبل أن يستلقي فوقها بحذر.
أخذ نظرة أخيرة على محيطه،ثم أغلق عينيه ليأخذ قيلولة بعد يوم كامل من التعب.
...
...
...
ظلام دامس،و هدوء تام.
جسده يأبى النوم،و عقله في حالة تأهب لأي هجوم.
فجأة،بدأ إيثان يسمع شيئًا ما،لم يكن قريبًا و لا بعيدًا،و كأنه كان موجودًا لكن الهدوء جعله أوضح فأوضح.
صوت نبض غريب،و كأنه قلب ينبض تحت أذنيه.
ظن في البداية أنه فقط صوت قلبه،لكن نبضاتهم لم تكن متناغمة.
بعدها بعدة دقائق...
صوت طرقعة أشبه بطرقعة العظام دوى في أذني إيثان،صوت الطرقعة ازداد وضوحًا شيئًا فشيئًا، بطيئًا في البداية، ثم تسارع كنبض كائنٍ يقترب،جاعلًا إيثان يفتح عينيه على الفور ليتفحص الوضع.
تجمدت ملامحه في لحظة،و شعر جسمه وقف من الصدمة.
ذراع طويلة مكونة من لحم نابض و عظام مكشوفة،و كأنها ذراع بشري سُلخ جلده،تمتد من الجدار المقابل له الذي تحول هو الآخر لكتلة من اللحم يكسوه الخشب القديم كجلد وهمي.
امتد الذراع أكثر كاشفًا عن بندقية عضوية مصنوعة من اللحم و العروق محل اليد،في أعلى فوهته عين مرتبطة به تراقب إيثان كالمفترس،مصوبًا فوهة البندقية ناحيته.
بحركة سريعة تشقلب إيثان على الأريكة،لتنبثق الرصاصة من فوهة البندقية متجهة نحوه.
دوى صوت الرصاصة في الأرجاء،بينما سقط إيثان على الأرض بقوة.
نهض من على الأرض بسرعة،قافزًا ناحية الكيان اللحمي،متشبثًا به باستعمال قدميه و ذراعه.
حاول الكيان إبعاده،ملوحًا بالبندقية بكل الاتجاهات بشكل عنيف،لكنّ إيثان تمسك به بعناد.
فتح إيثان فمه بسرعة،و بحركة غير متوقعة بدأ يعض الجزء الرابط بين الذراع و البندقية بعنف.
الجدران الخشبية بالمكان تشققت و انشقت،كاشفةً عن نسيج عضوي رطب يتنفس ببطء كأنه يتنفس.
لتبدأ الغرفة بالارتجاف و كأنها تألمت من الحركة.
في نفس الوقت ازداد الكيان العضوي هستيرية،يضربه بالجدران بهستيرية محاولًا بوضوح تحطيمه.
لكن الجدران العضوية كانت رطبة مما خفف من صدمة الاصطدام.
اخترقت أسنان إيثان الكيان،لتبدأ الدماء بالتدفق بجنون داخل فم إيثان،طعمه كالصدأ الممزوج بالملح.
الغرفة بدأت بالاهتزاز أكثر فأكثر و الكيان ازداد عدوانية.
لكن إيثان لم يتركه،عضّ أقوى، أنيابه تغوص في عروقه،قاطعًا الارتباطات بين الذراع و البندقية ببطء.
الدماء تدفقت أكثر،و عروقه و عضلاته قطعت أسرع فأسرع.
حتى سمع صوت تمزق رطب،لتنفصل البندقية من مصدرها و تسقط على الأرض.
هوى إيثان على الأرض،و رغم الصدمة نهض بسرعة على قدميه،ببصق الدماء من فمه.
فجأة، سُحبت الذراع المبتورة إلى داخل الجدار بقوةٍ هائلة، تاركةً خلفها خيوطًا من اللحم تتدلى كأمعاءٍ مقطوعة.
لتبدأ أذرع جديدة تنبثق من كلّ جانب من الغرفة،مرددةً صوت طرقعة قوي.
شَدَّ إيثان عينيه في قلق و رهبة،بينما يشاهد المنظر الذي أمامه.
أدرك مباشرة أن ليس لديه الكثير من الوقت للتفكير،و أن عليه التصرف بسرعة.
نظر ناحية المسدس العضوي الذي أمامه للحظة،ليقوم بحمله و يفر هاربًا بأقصى سرعته.
سحب حقيبته من الأرض بسرعة،و بركلة خاطفة فتح الباب المقفول أمامه.
فتح الباب على عقبيه بقوة،ليخرج إيثان نحو الممر مباشرة.
ليجد أن المكان بأسره قد تحول،الأرضية من تحته تحولت إلى نسيج لحمي ينبض بالحياة،مغلفة بطبقة من الخشب القديم و كأنه جلد هذا المكان.
الجدران تتنفّس، تتمدّد وتتقلّص، ومنها تخرج أوردةٌ حمراء،و عيون عملاقة تراقبه من الجدران.
النافذة تحولت إلى ما يشبه فمًا مغلقًا مليئًا بالأسنان الفوضوية،بدون شفتين.
ضربات قلب إيثان تزايدت بشكل كبير،متناغمة مع نبضات المكان،و العرق بدأ يتسرب من جلده،لكن ملامحه عكست مزيجًا من الغضب و الانزعاج.
المسدس العضوي في جسده يرتجف،عينه تتحرك بهستيرية.
الأبواب بالمكان أقفلت بواسطة نفس الفم الموجود بالنافذة.
إيثان لم يفكر،بل استمر بالركض ناحية الدرج.
عانى قليلاً بسبب تحرك الأرضية المستمر.
فجأة خرجت مجموعة من الأذرع اللحمية،حاولت الإمساك به.
إيثان قفز جانبًا،متجنبًا هجومهم،لكن أحد تلك الأذرع أمسكت بقدمه.
رمى إيثان البندقية اللحمية على الأرض،أصابعه تتحسس المطرقة في جيبه.
رفع يده في الهواء مهبطًا المطرقة بقوة على يد الكيان.
تكسرت العظام جراء الضربة مطلقة صوت تحطم رطب،تلاه نزيف في مكان الضربة،لطخت المطرقة بالدماء.
أرخى الكيان يده بسرعة جراء الألم،ليسحب مجددًا داخل الجدران.
في الوقت نفسه،سحب إيثان قدمه و أكمل الركض ناحية الدرج،ساحبًا البندقية اللحمية معه في الطريق.
ليقفز مباشرة فور وصوله للدرج،هاويًا بسرعة للطابق الذي أسفله.
سقط على قدميه بقوة،لتسحب الأرضية اللحمية الصدمة من قدميه.
التف بسرعة للوراء محاولًا البحث عن أي مخرج،ليجد أن كل المخارج قد أقفلت بواسطة نفس الفم.
الوضع أصبح أخطر مما توقع.
حاول الأخير التفكير بأي حل للوضع الذي هو فيه،عيناه بالكاد ترمشان خشية أن يتم مفاجأته في أي لحظة.
بطرف عينيه،نظر إيثان ناحية البندقية اللحمية،ليجدها لا تزال على قيد الحياة،ناظرةً إليه من عينها الوحيدة تلك.
فكر إيثان لعدة ثوان،متفحصًا تركيبته بتدقيق،باحثًا عن كيفية عمله.
ليتذكر فجأة أنه كان متصلًا بالكيان من الجزء الخلفي له.
دون تردد قام بقلبه للوراء،ليجد فتحة دائرية في المؤخرة.
دونما اكتراث،وضع البندقية على الأرض مثبتًا إياها بقدميه،مدخلاً يده داخل الفتحة.
مادة لزجة أحاطت يده،و الملمس بالداخل رطب و ناعم.
استمر بالتعمق،حتى لمست أصابعه شيئًا غريبًا،و كأنه خيط لحمي رطب،محاط بمجموعة من العظام و العضلات.
سحبه إيثان في فضول،فتحت البندقية عينها إلى آخر رمق،لتنطلق رصاصة من فوهتها.
ليدرك إيثان أنه وجد الزناد.
أمسك بباقي أصابعه العظام المحيطة بالخيط ليثبت المسدس في يده.
ليبادر بالركض باحثًا عن الباب للخروج.
انبسطت 3 أذرع جديدة من الجدران،موجهةً بندقياتها صوب رأس إيثان،الذي قفز ناحية الطاولة الخشبية قالبًا إياها على أطرافها،بينما استلقى على الأرض متجنبًا الموت.
في الوقت ذاته خطرت فكرة على بال إيثان.
إذا كان البيت كله عبارة عن كيان واحد،فذلك يعني أن أي ضرر في جسده سيلحق الألم فيه.
ليقوم بتصويب بندقيته ناحية الأرضية من تحته التي لم تكن مغلفة بالخشب من فوقها.
مطلقًا عدة طلقات،ممزقًا اللحم من تحته،و لتتسرب الدماء من مكان الطلقة كالنافورة صوب وجه إيثان.
ابتعد إيثان عن النزيف بسرعة،ماسحًا الدم بسرعة باستعمال ذراعه.
فتح عينيه،ليجد أن المكان بدأ بالارتجاف بهستيرية و كأنه أحس بالفعل بالطلقة مما أكد صحة نظريته.
فجأة بدأت البندقيات تطلق نحوه بغزارة،محاولةً التخلص منه بأسرع وقت.
استلقى إيثان على الأرض،ثم صوب ناحية الأفواه التي تقفل المخارج.
ضغط الزناد،ليطلق وابلًا من الرصاصات تجاه النافذة اللحمية.
اخترقت الرصاصات اللحم المحيط بالأسنان،اللحم تمزق،و الدماء انتشرت،و البيت ازداد هيجانًا.
و كما توقع،الفم قد فتح،تاركًا مجالًا للهروب.
لكن المشكلة الثانية،هي البندقيات التي تتربص به،فور ابتعاده عن الطاولة موته سيكون محتومًا.
تنهد إيثان للحظة،قبل أن يقوم بفصل يده عن البندقية العضوية.
بؤبؤ عين البندقية،يراقبه ببرود،بينما تبادل معه النظرات بتمعن.
وضع البندقية على الأرض،ثم سحب بندقية نيكولاس من الحقيبة،واضعًا إياها على الأرض.
أمسك بالبندقية العضوية بحذر، نظراته ثابتة على عينها التي لا تزال تتحرك ببطء.
تردد للحظة،ثم زفر بعمق،واضعًا إياها داخل فتحة صغيرة مصممة لوضع الأسلحة فيها.
حمل بندقية نيكولاس بيده،ناظرًا إليها نظرة أخيرة...التذكار الأخير لصديقه القديم...لكن بالنسبة له لم يكن سوى قطعة غير مفيدة على عكس البندقية الأخرى.
بحركة خاطفة،ألقى بالمسدس بعيدًا نحو الجهة المقابلة للغرفة،حيث ارتطمت بالأرض وأصدرت صوتًا معدنيًا حادًا ارتدّ في أرجاء المكان.
في اللحظة ذاتها، تحركت الأذرع اللحمية بسرعة، موجّهة فوهات أسلحتها نحو مصدر الصوت.
ليستغل إيثان لحظة تشتتهم،و يبدأ بالركض نحو النافذة بكل ما تبقى له من قوة.
استوعب الكيان أنه تم خداعه،ليعيد أنظاره بسرعة ناحية إيثان.
لكن الأوان قد فات بالفعل...
قفز ناحية النافذة.
الهواء البارد لامس وجهه.
و الجاذبية سحبته للأرض العشبية من تحته.
رغم خروجه لتو من داخل الوحش لكن حذره لم يهدأ للحظة.
نهض من على الأرض و بادر بالركض بعيدًا عن الحي السكني،الهواء البارد يلامس جسده المتعرق،و الأرض العشبية من تحته سهلت عليه الركض كما في السابق.
للمرة الأخيرة،التف ناحية المجمع السكني بعينين كلها قلق و حذر.
ليجد البيت الذي كان فيه،يرجع ببطء إلى شكله الطبيعي.
الجدران اللحمية تنكمش ببطء،مصدرةً أصوات تمزق خافتة.
الجدران بدأت تخبئ اللحم و العروق،إلى أن رجع البيت لشكله الأول.
بعد أن اجتاز الطريق الإسفلتي،مبتعدًا بالشكل اللازم عن المجمع السكني.
انطرح على البساط العشبي،كان يتنفس بعنف، وكأن صدره سينفجر من الإرهاق.
مد ذراعه إلى جانبه بارتخاء،أصابعه ترتجف من فرط الإجهاد.
ظل مستلقيًا على العشب لدقائق،إلى أن غلبه النوم.
لينام في العراء،وسط الخضار.
(نهاية الفصل)
