عدت إلى الدراسة في عامي الثالث، عام التخرّج. كنت أظن أنني تركت الكثير خلفي، وأنني أصبحت أكثر هدوءًا وثباتًا مما كنت عليه سابقًا.
في الأيام الأولى، لم يكن هناك ما يستحق الانتباه. كل شيء بدا عاديًا ومألوفًا، كما لو أنني عدت إلى روتين أعرفه جيدًا. ومع ذلك، بدأ شعور خفيف يتسلل إليّ دون سبب واضح، شعور لم أعره اهتمامًا في البداية.
مع مرور الأيام، بدأت ألاحظ وجودًا يتكرر في الممر وفي الساحة. لم أفكر كثيرًا في الأمر، وواصلت تجاهله كما فعلت سابقًا.
لكن هذا التكرار كان كافيًا ليوقظ شيئًا خامدًا في داخلي. ذلك الشعور الذي ظننت أنني تجاوزته عاد بهدوء، ثم بدأ يزداد وضوحًا. دون قصد، صرت أتبعه بعيني، وأنتبه لما كنت أتجاهله من قبل.
كنت أحاول التماسك، وأذكّر نفسي بكل ما قررته سابقًا. لكن مع كل مرة يتكرر فيها ذلك الإحساس، كان الهدوء الذي بنيته يتصدع بصمت. لم يكن هناك شيء واضح بعد، لكنني أدركت أن ما يعود هذه المرة ليس عابرًا.
في يومٍ كبقية الأيام، كنت داخل القسم أتحدث مع إحدى زميلاتي، وكان اسمها أميرة، بينما كنا نتكلم أخبرتني فجأة بأنني أعجب صديقتها. ادّعيت أن كلامها لم يدهشني، وحاولت أن أبدو عاديًا، لكن في داخلي كنت مذهولًا وفرحًا في الوقت نفسه. صديقة أميرة كانت هي نفسها الفتاة التي شدّت انتباهي في عامي الدراسي الأول.
تظاهرت بالجهل أمام زميلتي، وسألتها عنها وكأنني أسمع بالأمر للمرة الأولى: من هي؟ وما اسمها؟ بدأت تصفها لي بتفاصيل بسيطة، غير مدركة أن ملامحها محفوظة في ذاكرتي منذ زمن. ثم أخبرتني باسمها… ليليا.
تردّد الاسم في رأسي أكثر من مرة. ليليا. لم أستطع إخفاء تأثيره عليّ، رغم أنني أراها منذ عامين، ولم أعرف اسمها إلا في تلك اللحظة. بدا الاسم مختلفًا، قريبًا، وكأنه أكمل صورة ناقصة ظلت عالقة في ذهني طويلًا.
لم يفارق ذهني سؤال واحد:
ماذا لو اقتربت منها؟
ظلّ السؤال يرافقني لأيام، يزداد وضوحًا مع كل مرة ألمحها في الممر أو أراها في الساحة. حتى جاء يوم تغيّر فيه كل شيء.
